RTL

Pages

التجارب النفسية على الحيوانات | من داروين إلى جبهة تحرير الحيوان

  إذا كنت متخصص في علم النفس أو التربية، في احتمال كبير أنك تعرفت على كلب بافلوف أو قطط ثورندايك، وكيف نظرياتهم شكلت رؤيتنا لسلوك الإنسان وط...

 


إذا كنت متخصص في علم النفس أو التربية، في احتمال كبير أنك تعرفت على كلب بافلوف أو قطط ثورندايك، وكيف نظرياتهم شكلت رؤيتنا لسلوك الإنسان وطريقة تعليمنا، كان تساؤلي الدائم، ما هو مقدار تشابهنا مع الحيوانات وكيف وصلنا لهذا الربط، السلام عليكم اليوم بنشوف علاقتنا بالحيوانات والمدى الذي وصل له الإنسان في تجاربه.


علاقتنا بالحيوانات علاقة قديمة، وهذا نراه بالرسومات الكهفية، علاقتنا كانت علاقة صياد وفريسة، كيف نصطاد الحيوانات أو كيف نهرب منها، وتطورت علاقتنا فاستئنسنا بعضهم وربيناهم، وفي بعض الشعوب وصلت إلى العبادة، لكنها كانت دائما علاقة منفعة متبادلة، حاولنا نفهم طبائع الحيوانات، خاصة الحيوانات المستأنسة، مثل الإبل والخيل والكلاب وحيوانات المزارع، ولكن كدراسة تجريبية وتحليل لسلوك الحيوان ما خضنا هذه التجربة إلا في فترة متأخرة، ومن ضمن محاولاتنا لفهم سلوك ونفسية الحيوان هي مخطوطة العالم ابن الهيثم المشهور بعلم البصريات، مخطوطة " تأثير اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية "، يذكر فيها ابن الهيثم تأثر الإبل مع استخدام فن الحُداء، هذا فن مازال يستخدم إلى اليوم لتحريك الإبل والتحكم بسرعتهم،  وهذا مقطع من فلم وثائقي لوزارة الثقافة السعودية عن هذا الفن، بالإضافة إلى الحُداء أجرى ابن الهيثم تجارب بتأثير الموسيقى على الطيور والخيول والزواحف، وبدينا نعرف بطريقة علمية تأثر الحيوانات بما حولها، ما كان في ربط بين الإنسان والحيوان، لغاية تشارلز داروين، أي نعم لغاية نظرية التطور.


اختلف العلم جذريا بعد نظرية التطور، حتى أن بعض العلماء يقسم الأبحاث ما قبل دارون وما بعده، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول نظرية التطور أو إذا كانت صحيحة وشلون اخترعها دارون، لكن العلماء من بعد دارون شافوا الإنسان من جهة مختلفة تمام بعد ما كان منزه، نظرية دارون تضع الحيوانات بالاضافة إلى الانسان في سلسة ذات أصل واحد، يعني مكون الكائنات الحية واحد، وهذا يُكون علاقة تشابه بينا لأننا نرجع إلى أصل واحد، ما ربط داروين بينهم بشكل محدد لأنه ما كان متأكد تمام من نظريته، بعد ما مات تصاعدت حملة مضادة للداروينية، اللي تصدى لها تلميذه وصديقه جورج رومانز، وألف كتاب ذكاء الحيوان والذي ناقش فيه مبدأ الأصل الواحد وكيف نتشابه مع الحيوانات في السلوك البدائي مثل التكيف مع البيئة، أبحاث جورج رومانز كانت النواة لتأسيس علم نفس المقارن، وهو علم يدرس سلوك الحيوانات ويقارنها بين بعضها ويقارنها مع سلوك الإنسان، ومن هنا كتبت الكثير من الدراسات والأبحاث والتجارب التي كان لها الأثر الكبير في تفسير سلوك الإنسان، والتي من أبرزها تجربة بافلوف.


ايفان بافلوف طبيب روسي حائز على جائزة نوبل للطب لأبحاثه في الجهاز الهضمي عام 1904، فهو استطاع إخراج الجهاز الهضمي لمجموعة من الكلاب ومراقبة عملية الهضم من دخول الأكل إلى خروجه، خلال التجربة كان يقيس كمية اللعاب التي تفرز، ولاحظ بأن الكلاب عندما تشاهد المسؤول عن الطعام تزيد كمية لعابهم حتى ولو لم يكن يقدم لها شيء، وهنا بدأ بتجربته، بأنه يربط الطعام بصوت الجرس، كل ما قدم لهم الطعام دق الجرس، وبعد فترة من خلال قياس كمية اللعاب، تحقق ما توقعه بافلوف، ربطت الكلاب الطعام بالجرس فصارت تفرز اللعاب كل ما تسمع الجرس حتى بدون تقديم الطعام، لكن لاحظ بعد إن هذا الربط يزيد مع الاستمرار والتعزيز، ويقل مع التوقف أو التقليل منه، وهذه التجربة كونت لنا نظرية للخوف المرضي، من الأماكن المغلقة او الضيقة او التجمعات، فهذا الخوف عادة يرجع لحادثة محفورة بالذاكرة يربطها الإنسان مع المكان أو بعض الحالات تكون أصلا متخيلة، كل ما دخل إلى نفس الموقف يسترجع هذه الذكرى، والرهاب والخوف الذي يعزز من هذه الذكرى، فيدخل في دائرة صعب الخروج منها، إلا بكسرها بحيث أن يدخل الذكرى ويخرج منها بدون صعوبات، ومع تكرار التجربة ينفك الارتباط بين الذكرى والرهاب منها، ولكن النظرية في النهاية كانت مطبقة على كلب ولعابه، كيف يمكن تطبيقها على البشر.


في محاولة لتطبيق الارتباط الشرطي، وهذا الاسم اللطيف لنظرية بافلوف، قام جون واتسون في عام 1920 بتجربة ألبرت الصغير، كانت التجربة على طفل عمره أحد عشر شهرا اسمه ألبرت، قدم له فأر أبيض، كان ألبرت يلعب مع الفأر ويحمله ويتلمس شعره، هدف التجربة هو ربط الخوف بالفأر، قام واتسون بالضرب على الحديد كلما لمس ألبرت الفأر الأبيض، فيخاف ألبرت ويبكي، ومع تكرر العملية ربط ألبرت الخوف بالفأر، فيبكي كلما رأى الفأر الأبيض، حتى أنه أصبح يخاف من كل شيء له ملمس الفراء، وبذلك تحققت نظرية بافلوف على الإنسان، لكن كانت للتجربة انتقادات واسعة، وتفجرت تساؤلات أخلاقية حول التجارب على البشر، خاصة أن واتسون لم يمحي أثر الخوف من الطفل ألبرت، لأن أمه والتي كانت عاملة في المختبر، لم تكن تعلم عن فحوى التجربة وعندما علمت أخذت طفلها واختفت، الذي سيعيش طوال حياته خائف من كل شيء له فراء، حاول مجموعة من الباحثين البحث عن ألبرت الصغير عام ٢٠٠٩ لمعرفة أثر التجربة على حياته، وتوصلوا بأنه مات بعمر ستة سنوات نتيجة مرض استسقاء الرأس.


زادت التجارب النفسية على الحيوانات واسقاطها على سلوكنا، وتعرف العلماء أكثر على الإنسان وطريقة تفكيره، وظهرت العديد من النظريات المهتمة بالتعلم من أشهرها تجربة صندوق المتاهة، للعالم إدوارد لي ثورندايك، كان ثورندايك يحاول يكتشف هل الحيوانات تتصرف بالفطرة أم أنها تتعلم من التجربة، وضع ثورندايك قط جائع داخل صندوق، يحتاج القط أن يسحب خيط موصول بالباب ليحصل على الطعام في خارج الصندوق، في البداية تكون حركات القط عشوائية، في البحث عن مخرج للوصول إلى الطعام، وعن طريق الصدفة يستطيع فتح الباب والخروج، كرر ثورندايك التجربة، فشاهد أن القط مع التكرار يفهم طريقة عمل الصندوق ويقل الوقت والجهد في خروجه، ثورندايك وضع قوانين التعلم كمخرجات للتجربة، مثل قانون الاستعداد، وهو أن يكون المتعلم عنده القدرة على التعلم، وبنفس الوقت عند حاجة للتعلم، فالقط إذا ما كان جائع لن يفتح الصندوق، وقانون الأثر، فالعملية التعليمية يجب أن تشعر المتعلم بالاشباع والرضا النفسي، مثل وجود حافز - والذي قد يكون نفسي أو مادي - يساعد على التعلم، فإذا ما في طعام خارج الصندوق لماذا يحاول القط أن يفتحه، وقانون الممارسة، مع التمرين والمحاولة يقل الجهد والوقت اللازم لإنجاز الهدف، تعتقدون أين ممكن يوصل الانسان بالتجارب ؟


في الخمسينيات ظهرت نظريتان متضادتان في سبب تعلق الطفل بأمه، هل هو يحتاجها للغذاء أو أو يحتاج منها الأمان والحب، قام  الباحث هاري هارلو بتجربته، حرمان الأمهات، فصل هارلو مجموعة من القردة عن أمهاتهم منذ الولادة على فترات مختلفة، ثلاث شهور وستة وتسعة وسنة، ووضعهم في قفص مع دمى لتأخذ مكان الأم، واحدة من الدمى كانت مكونة من أسلاك ولديها الحليب وهي كانت تمثل الغذاء، والدمية الثانية من القماش وكانت تمثل الأمان، لاحظ هارلو أن القردة دائما تحضن الدمية القماشية حتى لو لم تكن تحمل الغذاء، كانت تشرب من الدمية السلكية وتكمل باقي اليوم باحتضان الدمية القماشية، وعند فصله عن الدمية القماشية يتقوقع على القرد نفسه ويضع اصبعه في فمه، فتوصل إلى أن الطفل دائما يحتاج إلى الأمان أكثر من الغذاء، هذه التجربة كان لها نتائج كارثية على القردة المحرومون من أمهاتهم، لم يستطيعوا التأقلم مع القردة الطبيعية، فكانوا عنيفين أو يُضربون، وبعضهم كان يؤذي نفسه وأحدهم فقد الشهية للأكل حتى مات، حتى الأناث التي تمت عليهم التجربة قتلوا أبنائهم بعد الولادة، هارلو بعد موت زوجته دخل في مرحلة اكتئاب، فجرب فصل القردة لمدة سنتين كاملتين، مما كان عاملا ساهم في تصعيد حركة حقوق الحيوان.


تحرك الكونغرس في بداية الستينيات بكسل لإقرار قانون لحماية الحيوانات، ولكن المماطلة كانت تقتل القانون، حتى ظهرت تقارير ومقالات حول سرقة الحيوانات لبيعها على المعاهد والجامعات لإجراء التجارب عليها، فأقر عام 1966 قانون رعاية الحيوانات، animal welfare act، والذي ينص على الحد الأدنى لرعاية الحيوانات وعلاجها، والذي عرف بـ three R's :

1- replacement هو تفضيل استخدام الطرق غير الحيوانية على الطرق الحيوانية كلما كان ذلك ممكنا.

2- reduction استخدام أقل عدد ممكن من الحيوانات للحصول على نتائج قابلة للمقارنة

3-refinement تخفيف الألم والمعاناة إلى أدنى مستويات ممكنة، وتحسين بيئة الحيوان المستخدم

هل خفت التجارب مع هذه القوانين؟


يظل الإنسان يحاول يفهم نفسه، ولكن صعب أن يجري تجارب على الإنسان خاصة في الحالات المتطرفة، مثل دراسة تطور الأجهزة الحسية، يعني كيف الأعمى يطور حواسه الأخرى بحيث تكون أقوى وتعوضه عن العمى، قامت جامعة كاليفورنيا عام 1985 بأخذ قرد من نوع مكاك بعد ولادته، وتخييط جفونه وزرع مستشعر الكتروني في رأسه، بعد خمسة أسابيع أبلغ أحد طلاب جبهة تحرير الحيوان عن هذا الفعل، جبهة تحرير الحيوان هي منظمة بدون قيادة، تقوم بالدفاع عن الحيوانات يطريقة فردية أو في جماعات صغيرة مما يصعب مراقبتها من قبل السلطات، اقتحمت الجبهة جامعة كاليفورنيا وحررت القرد بالإضافة إلى 466 حيوان آخر ودمرت المنشأة وقامت بتلفيات قيمتها 700 ألف دولار.


تنشط المنظمة في 40 بلد تقريبا، وتقوم بإنقاذ الحيوانات من المختبرات والمزارع وتدمير المنشآت، وتأسس بيوت آمنة للحيوانات وعناية بيطرية وتُشغل ملاجئ للحيوانات، ولكن بعض أعضائها يتطرف بالفعل، مثل تفخيخ سيارات الباحثين وتدمير المختبرات، هذه الأحداث وغيرها التي كلفت المعاهد والجامعات خسائر بالملايين، جعلت الحكومة الأمريكية عام 2002 بتمرير قانون مكافحة الإرهاب المؤسسي في مجال الحيوانات، وإضافة النشطاء المخربون إلى قانون الشرطة والجريمة المنظمة الخطيرة، مما أدى إلى سجن واعتقال النشطاء وقلل من وقوع الهجمات.


يقول كلود برنارد، "علم الحياة هو قاعة رائعة ومضاءة بشكل مبهر لا يمكن الوصول إليها إلا بالمرور عبر مطبخ طويل مروع"، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية في عام 2019، تستخدم الحيوانات بالأبحاث الطبية والنفسية وغيرها، واستخدم في هذه السنة حوالي مليون حيوان فقاري في التجارب البحثية فقط في الولايات المتحدة، هذا الرقم لا يشمل الطيور ولا يشمل اللافقاريات، هذا الرقم لا يشمل الجرذان والفئران التي يقدر عددها في الولايات المتحدة من 11 مليون على أدنى تقدير وفي بعض السنوات مثل سنة 2019 وصل إلى 100 مليون فأر وجرذ.


يحاول العلماء التقليل من استخدام الحيوانات، مثل ابتكار جامعة هارفارد، رقائق  صغيرة تحتوي على خلايا بشرية يمكن استخدامها والتجربة عليها، أو استخدام المحاكاة والنمذجة في الكمبيوتر والتنبأ بتأثير المواد على الإنسان، كما يحاول الحقوقيون بتهييج الرأي العام والضغط على السياسيين لتشريع قوانين أكثر صرامة.


الضغط الذي يمارس ضد الأبحاث الحيوانية يساعد على تقنين العملية البحثية ويغلق المجال أما العبث بحياة الحيوانات، لكن مقابل هذا الضغط ستقل سرعة إيجاد علاج للأمراض المستعصية مثل السرطان والإيدز وأمراض القلب والزهايمر، وسنجد صعوبة في فهم أنفسنا خاصة في الحالات المتطرفة.