RTL

Pages

مراجعة كتاب سفر القهوة

سَفر أو سِفر القهوة تُبين لك مدى ذكاء الكاتب عبدالكريم الشطي وتلاعبه بالمفردات،  ومن العنوان يتبين لنا أننا سنسافر مع تاريخ القهوة ونقرأ الأ...

سَفر أو سِفر القهوة تُبين لك مدى ذكاء الكاتب عبدالكريم الشطي وتلاعبه بالمفردات،  ومن العنوان يتبين لنا أننا سنسافر مع تاريخ القهوة ونقرأ الأحداث التي تأثرت بها وأثرت بها، فلن تقرأ فقط تاريخ القهوة ولكن ستقرأ تاريخ دول وشعوب وأمم مرت عليهم القهوة وغيرتهم.




يعتمد عبدالكريم الشطي كعادته على الأسلوب الروائي في سرد الأحداث الحقيقية، وتميز في هذا الكتاب بإعطاء القهوة روح بشرية فهي الراوية لقصتها ولم يكتفي بذلك، فصبغها بمشاعر حقيقية كيف لا وهو يؤكد بأن لها جينات تشابه الجينات البشرية، فجعلها تتضرع إلى الله تارة وتارة تغضب وتنتقم، تجمع المختلفين في بيوتها، تُحي أمم وتهدم أخرى.

تبدأ الحكاية مع اكتشاف الصوفيين للقهوة كالعيدروس والشاذلي، وهنا تختبر الحياة الصوفية وتشاهد الصوفي وهو ينغمس في ملذاته ليشتاق أكثر لله ويزهد بالدنيا، في أول فصلين - اليمن ومكة - تستشعر نكهة الكتب الصوفية من كرامات وتناقضات وروحانيات وإيمان بالرؤيا التي تتحقق وسماء تمطر لبناً.

وعند دخول القهوة إلى تركيا والدولة العثمانية تبدأ الأحداث تنتقل بانسيابية من عالم الصوفية إلى عالم الواقع، البحث عن الربح ومجالس الملوك والسلاطين، وكلما تقدمنا  تظهر صفات الإنسان البشعة، عن طريق الأتراك تنتقل القهوة إلى أوروبا ابتداءاً من فيينا، ثم إلى انقلابات فرنسا وصولا إلى المملكة المتحدة التي لا تغيب عنها الشمس.

خلال رحلة أوروبا نعيش مع آخر ملوك فرنسا والذي انقلب عليه الشعب من خلال المقاهي، ونعيش مع صعود القهوة في لندن وانعاشها فكريا واقتصاديا وسقوطها في عهد الملكة فيكتوريا لصالح الشاي، خلال غزو القهوة لأوروبا نعيش في تلك الحقبة ما بين ترف البندقيين وقذارة الفرنسيين وجلف الانجليز، والتعايش والتمايز ما بين الحضارات المختلفة.

ثم تنتقل القهوة إلى الجزء الآخر من العالم، البرازيل، هذا الفصل عبارة عن رواية وثائقية متكاملة الأركان تستحق أن تكون كتاب مستقل، تتعرف فيها على الشخصيات الرئيسة من نعومة أظفارها إلى نهايتها، ومن فصل البرازيل إلى وحش الرأسمالية الذي ألتهم العالم وحوله إلى سلع، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذا كان هناك فصل واحد يجب أن تقرأه فهو هذا الفصل، سيجعلك تفكر أكثر من مره قبل أن تشرب قهوتك.

قرأت لعبدالكريم الشطي جميع كتبه المنشورة، في كل كتاب جديد يتمكن أكثر من الكتابة، أسلوبه سلسل وجميل ويستطيع أن يجعلك تفكر وتبتهل وتضحك وتحزن وتغتاظ، ولكن لأنني أنتمي إلى فئة الوثائقية التي تضع قول الحقيقية فوق كل شيء وبدون أي اضافات، أتحسس من السهولة التي يمارس فيها الكاتب خلط الأحداث أو إعادة كتابتها بما يتناسب مع الرواية، فهو لا يجد أي مشكلة في التقاء أشخاص لم يلتقوا مع بعض أو وضع كلامات على لسان شخص لم يقلها أو اضافة شخصيات غير موجودة.

أتمنى لكم قراءة ممتعة.