RTL

Pages

اللاهوت العربي | مراجعة كتاب

أول ما شدني للكتاب هو المؤلف، فبعد قراءة رواية عزازيل طُبع يوسف زيدان في قائمتي، فالرواية تتمحور حول صراع نفسي لراهب مسيحي، أمه مسيحية وأبوه...

أول ما شدني للكتاب هو المؤلف، فبعد قراءة رواية عزازيل طُبع يوسف زيدان في قائمتي، فالرواية تتمحور حول صراع نفسي لراهب مسيحي، أمه مسيحية وأبوه وثني قتل على يد المسيحيين كانت الرواية رائعة، فعندما شاهدت عنوان الكتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني قرأته بدون تردد.


كنت أعتقد أن الكتاب سيركز على أصول العنف العربي وكيف تحول العرب إلى قنابل متفجرة، وأقصد بالعرب من  جميع الديانات السماوية، مع أن زيدان يختلف حول كلمة سماوية ويسميها ديانات رسالية، فجميع الأديان تقريبا تؤمن بأن دينها من إله في السماء، ولكن الإبراهيمية مختصة بديانات ذات رسالة من الله عن طريق الرسل والأنبياء، يبين زيدان هذا في مقدمة كتابه مع مجموعة أخرى من التعاريف المختلفة التي تساعد القارئ في فهم الكتاب فهماً دقيقاً دون ارتباك أو سوء فهم.

اللاهوت العربي، كلمة من ابتكار الكاتب يجمع فيها الديانات الابراهيمية الثلاث من اتباعها العرب، من ناحية المجادلات الفلسفية حول الخالق وصفاته، فكلمة لاهوت هي كلمة سيريانية معناها العلم الإلهي، في هذا الكتاب يحاول الكاتب يوسف زيدان مقارنة او بعبارة أدق مقاربة الإلهيات بين الأديان الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية،  والتي يعتبرها زيدان ذات جوهر واحد .

على مدى الصفحات اللاحقة للمقدمة يسرد الكاتب تاريخ اليهودية والانعطافات التي جعلت بني اسرائيل أمة قوية تحكم فلسطين إلى الانقسامات بين بني اسرائيل التي جعلتهم شرذمة مفككة تستعبدها كل أمة تحكمها، من خلال السرد التاريخي يعطي الكاتب لمحات لتداخل الدين والسياسة والعنف، وكيف يؤثر كل واحد بالآخر، كما يبين ان التفككات في الغالب كانت بسبب اللاهوت أو في كنه الإله، خاصة أن الله في الفكر اليهودي كان أقرب لإنسان إلهي، فهو يفرح ويغضب ويسخط وينتقم وهو إله يغلب عليه الشر والغضب، وهو قد ينزل إلى الأرض فيتصارع مع نبي حتى الفجر ويخسر هذه المصارعة.

كان الدين اليهودي دين منغلق على نفسه لا يدعو أحد إلى اعتناقه، فهو دين بني اسرائيل فقط، فلم يكن الرومان يتدخلون في شؤونهم، ولكن مع سيدنا عيسى بدأت الدعوة إلى باقي الأمم، مما سبب ارتباك بين اليهود الذي كان يدعونه بمدعي النبوة، والرومان الذين بدى تأثر رعاياهم للدخول في دينه، مما أدى إلى قتله وصلبه - على عقيدة اليهود والمسيحيين - .

بعد انتشار المسيحية ووصولها لتكون دين معترف به في الامبراطورية والدين الرسمي بعد ذلك، خرجت بعض الأقوال في ماهية المسيح عليه السلام، هل هو الله ؟ أم هو ابن الله ؟، يعتقد الكاتب أن الحضارة الرومانية والمصرية الفرعونية تقبلت أن يكون المسيح ابن الله لأنه امتداد لثقافاتهم واعتقاداتهم القديمة، ولكن الجانب العربي لم يتقبل هذه الفكرة كيف يتجلى الإله في الأرض ويكون مثل البشر يأكل ويشرب ويتألم، ويراهن زيدان أن القساوسة الذين عارضوا فكرة الثالوث قد تكون أصولهم عربية ولكن لن نستطيع معرفة ذلك لأنهم يتركون اسمائهم القديمة عند تعميدهم.

كما ناقش اليهود ماهية الله، والمسيحيين من بعدهم عن العلاقة بين الله والمسيح، ناقش المسلمين صفات الله وشكله، فيذكر الكاتب تاريخ هذه المناقشات وأهم أئمتها وفرقها كالمعتزلة والمبطلة، ويناقش العلاقة بين الأديان كيف انتقلت هذه الأفكار من المسيحية إلى الإسلامية وأن الانتقال ليس على أساس عقائدي ولكنه أكثر على أساس بيئي وتوارثي.

في آخر فصل يتحدث الكاتب عن علاقة الدين والسياسة والعنف، وكيف أن اذا أعطي حرية لمجالين يؤثران في المجال الثالث، فعند حرية الدين وحرية السياسة يقل العنف، ولكن إذا كان هناك حرية سياسية وقمع ديني سيعطي مجال للعنف، وكذلك سيأخذ العنف حريته عند وجود حرية دينية وقمع سياسي.

الكتاب جيد وفيه الكثير من السرد القصصي الممتع الذي يميز يوسف زيدان، ولكن هناك ملاحظات على مدى صحة الأحاديث والقصص، على الأقل في المجال الذي أعرفه وهو التاريخ الإسلامي، هناك بعض الأحاديث الموضوعة الذي جعلها زيدان مسلم بها، لكن لا أستطيع الحكم على التاريخ المسيحي واليهودي، قد يكون فيه مغالطات مثل ما حدث في التاريخ الإسلامي.