RTL

Pages

كيف نقرأ التاريخ ؟

 أعمل حاليا على فلم حول الصراع العثماني مع الأشراف في نهاية الحرب العالمية الأولى، والذي كان أشده في المدينة المنورة، تُعرف هذه الأحداث بسفر...

 أعمل حاليا على فلم حول الصراع العثماني مع الأشراف في نهاية الحرب العالمية الأولى، والذي كان أشده في المدينة المنورة، تُعرف هذه الأحداث بسفر برلك نسبة إلى الفرمان العثماني الذي دعى للنفير العام والتجنيد الإجباري للوقوف بجانب حليفه الألماني ضد اتحاد الإنجليز والروس والفرنسيين، وهذه الحادثة بالذات كانت مسرح في الآونة الأخيرة للصراع بين مفكري المملكة العربية السعودية وبين مفكري الأتراك ومن يناصرهم، وبطل أحداث سفر برلك في المدينة المنورة هو الإشكالية الكبرى، فخري باشا.



قد تكون أشهر عبارة للمؤرخين " التاريخ يكتبه المنتصرون " ولكن ليس دائماً، عندما يكون المنتصر مكافئ للمهزوم يُكتب من الطرفين، فالحروب الصليبية كتبت من المسلمين والصليبين، كل مؤرخ كتب التاريخ على هواه، أيضا خلال المئة سنة السابقة أصبح من الصعب أن تنفرد جهة بكتابة التاريخ لوحدها، قد يكون لها حجة أكبر مع ذلك تبقى الجهة المهزومة تخربش على تاريخ المنتصر.

في الربيع العربي أصبح الإعلام الأداة الأقوى في إعادة صياغة التاريخ وكتابته، فقناة الجزيرة مع أنها ملك لدولة قطر وهي دولة صغيرة جداً، إلا أنها لعبت الدور الأكبر في تأجيج الشارع وإحياء المظاهرات وإبقائها مشتعلة حتى نهاية الطغاة، بذلك يكون فهم الأحداث التاريخية مرتبك بتدفق المعلومات والأحداث والإشاعات اللانهائي من الطرفين، فيصعب معاه فهم التاريخ وأسباب الحدوث والنتائج.

حاولت في فلم سفربرلك بمسك العصا من المنتصف والوقوف بالمناطق الرمادية قدر الإمكان، ولكن هذا الأمر صعب جدا، مع قوتين إعلاميتين كل واحدة تلمع إنجازاتها وتلقي اللوم على الآخر، فهم التاريخ يحتاج منا أن نقرأ للطرفين، أن نقرأ بموضوعية وبتجرد من كل المشاعر والمواقف السابقة، قراءة التاريخ تحتاج أن تقرأ الوقائع والحقائق وتسمع من الجميع.

البعض يحاول أن يعتمد على المستندات والوثائق الموجودة فقط، وهذا باعتقادي خطأ لأن المستندات لا تكتب من الجميع، بهذه الطريقة سنسمع فقط للجهة الأكثر توثيقاً وهي الدولة الأكثر تعقيدا والأكبر إداريا، بهذه الطريقة سننظر فقط لما تقوله بريطانيا العظمى عن الاستعمار، الأفضل أن نبحث في المستندات والوثائق وننظر في المذكرات والكتب ونستمع إن أمكن إلى الشهود.

قراءة تاريخنا صعب لأننا نقرأ ولدينا قناعات واعتقادات ستعمي بصيرتنا، سنقرأ ولن نعترف بأخطائنا، سنقرأ ولن نصدق عدونا لأنه كاذب بشهادة كتبنا، للأسف بهذه الطريقة لن نستطيع أن نتقدم ونتعلم، على عكس الدول الأخرى التي تعري التاريخ وتتعلم منه لتكون أفضل ومع ذلك تفتخر بماضيها مهما كان، فيجب علينا أن نفتخر بتاريخنا وبنفس الوقت نفحصه ونتعظ منه.